January 4, 2011

“قراءة نقدية لكتاب ” إريتريا ارض البحر
الجزء الأول : الأطماع

بقلم : د.احمد حسن دحلي
نزل قبل أيام في أسواق اسمرا والقاهرة كتاب جديد لسكرتير الجبهة الشعبية للديموقراطية والعدالة ، المناضل الأمين محمد سعيد يحمل عنوان ” إريتريا ارض البحر ـ الأطماع ـ ” وهو الجزء الأول من أربعة أجزاء ستصدر على التوالي. ونقدم فيما يلي عرضا للجزء الأول.

إن مؤلف هذا الكتاب هو الأخ الأمين محمد سعيد ذات الشخصية المتعددة الأبعاد، ولذا فمن الصعوبة بمكان اختزالها في عدة كلمات معدودة في هذا المقام والمقال. فهو مناضل كبير، وسياسي مخضرم، وديبلوماسي محنك، ومفاوض متمرس، وكاتب مبدع، وقبل هذا وذاك فهو إنسان في غاية البساطة والتواضع والتفاني والصمود والحزم في القضايا التي آمن ويؤمن بها وذلك على مدى مايربوا على أربعة عقود من تاريخ التحاقه بالثورة الإرترية منذ عام 1966م ولغاية هذه الساعة. ومازال يواصل مسيرته الطويلة والشائكة والثرية والنابضة بالتضحيات والنضالات والإبداعات في سبيل حرية واستقلال ونمو ورقي ورفعة إرتريا شعبا وبلدا.

والى ذلك، يجدر التنويه الى ان كتابات وإبداعات الأخ الأمين تنهمر في جدول الإنتاج التاريخي والسياسي والأدبي الإرتري باستمرار وحيوية وغزارة وعمق. فالكاتب اثرى المكتبة الوطنية بكتاب وثائقي تاريخي يحمل عنوان “الدفع والتردي”، سلط أضواء ساطعة على الثورة الإرترية وتناقضاتها الداخلية، ومنعطفاتها الحرجة، وتضاريسها المعقدة والمتشعبة. وان ذلك الكتاب الذي صدر في سبتمبر عام 1992م باسمرا أقام الدنيا ولم يقعدها بعد، لكونه تطرق بجسارة ورشاقة لتلك المرحلة الحرجة وبالغة الدقة والحساسية من تاريخ إرتريا الثورة الذي يعتبر بمثابة معين لا ينضب، وعليه فلا غرو إذا كان معشر المثقفين والمؤرخين والسياسيين الإرتريين لهم أراء متباينة حتى التناقض في فهم وقراءة وتحليل بعض الأحداث التاريخية التي عالجها الأخ الأمين، وهذه حسنة تحسب للكاتب والكتاب على حد السواء، لأنها حركت بل أججت مياه بركة راكدة حتى التفسخ، وبعثت فيها دفء وتدفق الحياة بتعرجاتها وتضاداتها وتناقضاتها الصحية والطبيعية.

وإذا كان الكاتب الأمين نهض بدور باحث تاريخي في باكورة إنتاجه التاريخي-السياسي الذي وثق وحلل فيه تناقضات الثورة الإرترية، فانه وبعد تسع سنوات، وتحديدا في عام 2001م صدر كتابه الثاني “نريد ارض إرتريا وليس شعبها – إرتريا والسلوك العدواني لحكام أثيوبيا –” عن دار “البحر الأحمر” بالولايات المتحدة الأمريكية. وفي هذا الكتاب قام الباحث بتحليل عميق ورصين لخلفية الحرب الحدودية الإرترية – الأثيوبية وتداعياتها، كاشفا أسرارها الخفية والمتمثلة في أجندة نظام وياني أثيوبيا التوسيعية والتخريبية، والتي كانت وراء إشعال حرب مدمرة بين البلدين من عام 1998م الى عام 2000م.

وبعد مضي عام واحد فقط من صدور كتابه الثاني، صدر في مايو عام 2002م عن دار “الأمانة” باسمرا كتابه الثالث “حق لا يقبل المساومة”، والذي وظف له المؤلف كل إمكانياته ومؤهلاته في رصد الأحداث الكبيرة والدقيقة في تسجيل وسرد وتحليل الوقائع التاريخية المتعلقة بعملية المفاوضات بين الجبهة الشعبية لتحرير إرتريا ونظام الدرق الأثيوبي البائد، وذلك بوضوح بالغ، وبموضوعية تامة، وبسلاسة فائقة.

والآن، هاهو الكاتب الأمين محمد سعيد لا يطرق هذه المرة بابا جديدا وحسب، وانما ينهض بمشروع عمل إبداعي ضخم يغطي مساحة تاريخية طويلة وغائرة تبدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر وتنتهي في مطلع القرن الحادي والعشرين. ويقع هذا الإنتاج الجديد في سلسلة من الأجزاء يبدأ بالجزء الأول المعنون بإسم “الأطماع”.

وخلال هذا الجزء “الأطماع” تم استعراض الحياة التاريخية والسياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية الإرترية لمرحلة ما قبل مجيئ وبعد دخول المستعمر الإيطالي، بأسلوب أدبي مباشر وسهل وسلس ورشيق وجذاب للغاية، عبر شخصيات فنية تقوم بأدوار مختلفة في إطار العمل الأدبي والمهمات المناطة إليها. علما ان هناك مسحة خفيفة وخفية من السيرة الذاتية تضفي نكهة خاصة على هذا العمل الأدبي. ولقد حرص الكاتب على ان تكون تلك اللمسة الذاتية بين السطور وان لا تطفو على السطح إلا في بعض المواقف النادرة وبصورة غير مباشرة ايضا، بحث انها ربما قد تشد انتباه هذا الباحث وستوقفه لكي يستنطقها، وربما يمر عليها مرور الكرام ذاك القارئ من دون شعور أو إحساس أو إدراك.

فعلى عكس المرات السابقة، فان الكاتب لجأ هذه المرة إلى الأسلوب الأدبي ليس لسرد الوقائع المتعددة الأبعاد والمتنوعة الأشكال، وانما لرواية الأحداث على لسان أهل البلد أنفسهم من دون اسقاطات خارجية، وعبر إفساح الحرية للشخصيات التي نسجها الكاتب لكي تعبر عن نفسها، وتنيط اللثام عن أغور أغوار مشاعرها الداخلية وأحاسيسها الدفينة، وتتحدث عن عاداتها وتقاليدها من دون رتوش وبلا حرج، وتعكس ظروفها الإقتصادية وأوضاعها الإجتماعية. وقبل هذا وذاك، فان تلكم الشخصيات المحورية مسكونة بالهاجس الوطني، لا لشئ آخر، وانما لكونها وليدة الأحداث التي زجت بها ومنذ نعومة أظافرها في خضم ومعمعة الغليان السياسي الذي اكتوت إرتريا بنيرانه السياسي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي ما بين الحربين العالميتين.

ولقد وفق الراوي في رواية الأحداث في هذا الجزء الأول عبر شخصياته من دون اي تدخل سافر من طرفه لتوجيه دفة الأمور برغم حضوره، بحيث لا يشعر القارئ بان شخصيات العمل الأدبي مسلوبة الإرادة ومجردة من الحرية، بالعكس فانها تتحرك باستقلالية، وتتحدث بطلاقة، وتفكر بحرية، وهنا تكمن الصعوبة كل الصعوبة في العمل الروائي أو في القصة.

Latest Articles

Conversation with Ceramic SculptorNasser Abdelwasie

ሓጺር ታሪኽ ሕጋዊ መኸተ ህዝቢ ኤርትራ ብኣጋጣሚ ዝኽሪ...

ንልክዕ መረዳእታ