May 28, 2016

كلمة فخامة الرئيس اسياس افورقي بمناسبة العيد الفضي الوطني للحرية

may-24-news-president-16المحترمون والمحترمات
الحضور الكريم

في البداية أتقدم بالتهاني القلبية الحارة لعموم الشعب الإرتري في الوطن والمهجر وإلى الأصدقاء المحبين الذي وقفوا إلى جانب النضال التحرري للشعب الإرتري من أجل الإستقلال وتضامنوا معه. فهنيئاً لنا جميعاً.
والشكر الجزيل موصول إلى الإرتريين القادمين من بلدان المهجر للإرتقاء بعظمة هذه المناسبة العزيزة، ولكل الذين قاموا بإسهام مدهش وبجهود جبارة بالتنسيق مع مفوضية الثقافة والرياضة من الأطفال والشباب والطلبة والفنانين من الوطن والمهجر والرياضيين.

25 عاماً أو ربع قرن من “التصدي والتنمية” من أين؟ وأين؟ وإلى أين؟

بما أن طرح التساؤلات حول ما كنا عليه وما نحن فيه وما ننطلق نحوه، ولماذا ينجح تصدينا وتنميتنا وبأي طريقة؟ وكيف تمكنا من إنتزاع إستقلالنا وكيف نحميه ونبنيه؟ هي من الأمور الملحة لخارطة طريقنا ومن غير الدخول في سرد التفاصيل الدقيقة سأحاول في هذا اليوم العزيز أن أعطي نبذة خاطفة عنها.

التصدي هو ثقافة وإرث. والثقافة تبني من المنظومة القيمية. وهذه المنظومة القيمية لا تأتي في لحظة أو آن واحد أو بشكل مفاجئ وإنما تتشكل في إطار عملية صعبة مليئة بالتحديات، تتراكم، تحفظ وتتوارث. وتتسم برفض الإستعمار والركوع والإهانة، وبالإحترام والرعاية المتبادلة، والوحدة والوئام والتناغم، والشجاعة والتفاني والنضال والتضحية، والعمل والإنتاجية والإبداع والصمود أمام التحديات. وهذه كلها هي ميزات قيمنا وسر إنتصاراتنا. وتصدينا وتقدم مسيرة تنميتنا تقاس وتؤكد بها.

ربع قرن من الإستقلال، هذا الإستقلال بني على تاريخ مشرف ومبني على أسس صلبة من التصدي والتنمية خلال ال50 عاماً. لأن تلك الأعوام الخمسين هي خاتمة عملية تشكل وتكون فيها الشعب الإرتري كشعب واحد. ولكي ندرك معنى ربع قرن من الإستقلال أو المراحل اللاحقة ، كما يجب ، يتوجب علينا تكرار تقليب صفحات سجلات ما نعرفه. ولا يعني ذلك بالنظر إلى تاريخنا القديم أو نسيان بطولات المقاومة التي خاضها الأبطال الإرتريون المثاليون قبل الإستعمار الإيطالي وخلاله وملاحم التصدي التي سطروها في مختلف الفترات والأماكن.
كان يتوجب أن يكون باب الإستقلال سالكاً أمام إرتريا بعد الحرب العالمية الثانية عام 1941م مثلها مثل كل الدول الإفريقية التي رسمت حدودها من قبل القوى الإستعمارية وتشكلت مع إنهاء الإستعمار. ولكن ولأنه قيل في ذلك الأوان بأن “إرتريا لا تخدم المصال الإستراتيجية لأمريكا” تم إخضاعها من عام 1941م وإلى عام 1952م للوصاية الإنجليزية لإفشال حق الإستقلال وتدمير الإقتصاد والبنى التحتية بشكل متعمد، وإثارة الفتن بين الإخوة وتفتيت التصدي من خلال المؤامرات المسمومة. ومن عام 1952م وحتى 1962م تمت مؤامرة أخرى لإستعمار إرتريا وشعبها بالوكالة باسم الربط الفيدارلي. ومن عام 1962م وحتى 1974م ومن أجل تجسيد وترسيخ الإستعمار بالوكالة وقمع مقاومة الشعب الإرتري وبدعم أمريكا وحلفائها في المنطقة لنظام هيلى سلاسي شنت الغزوات ومورست الجرائم ضد الشعب الإرتري. ومن عام 1974م وحتى 1991م تمت محاولات فاشلة عبر الآلية العسكرية الضخمة المسخرة من قبل الإتحاد السوفياتي السابق وحلفائه لدك نضال الشعب الإرتري المشروع من أجل الإستقلال. كل هذه الأحداث هي أسست ل50 عاماً لربع القرن الماضي للإستقلال.
وفي خضم هذا التفاعل للمعادلة الغير متكافئة جداً كيف تمكن الشعب الإرتري من المواجهة والإنتصار على القوى العالمية وعملائها التي تعاقبت في تحديها لقمع حقه في الإستقلال؟ فوق كل شيء، لأنه صاحب حق وفي أرضه، ولأنه وخلال الـ 50 عاماً من المقاومة عزز من ثقافته في التصدي، وارتقى بقيمه، ووسع من مداركه ووعيه، وتفنن في تنظيمه وتشكيل صفوفه، وبرع في إعداد تسلحه ووضع خططه، وأستخلص الدروس من مؤامرات الخيانة والخذلان والتزلف والتلوث الداخلي، وعزز من تصديه من مرحلة لأخرى. وأنتج التفاعل في هذه المعادلة لصالح الحق والإستقلال. ويقيم التصدي والتنمية لربع القرن الماضي بالإرتباط بهذا الأساس الصلب.
وماذا في ربع قرن من الإستقلال؟
إن حق الإستقلال الذي كان يتوجب أن يكون سالكاً أمامه في عام 1941م أصبح واقعاً بعد 50 عاماً من التصدي لا نظير له في أرض المعركة بتضحيات واستشهاد ما يفوق الـ 65 ألف من المناضلين الأبطال ، وبدون الإستقواء بقوى أخرى. وفي حينه، فإن الشعب الإرتري وبعيداً عن التبجح بالقوة وبإحترامه للعدالة وسيادة القانون أكد على سيادته عبر الإستفتاء وأضفى شرفاً مضاعفاً لإستقلاله.
ومع أن البناء الوطني كان المهمة الأولى، غير أن الحرص على أن يزدهر ذلك البناء في مناخ رحب من التعاون الشعبي وفي جو صحي قد استلزم من الشعب وحكومته الإنخراط فى البناء مع الشعب الإثيوبي قبل أي طرف أخر، وضمن إطار أوسع مع منطقة القرن الإفريقي، البحر الأحمر، والشرق الأوسط، وذلك من أجل تمهيد الأرضية المناسبة. وبما أن تلك المرحلة قد شهدت إنتهاء الحرب الباردة وبروز فرصة كبيرة لتشكل النظام العالمي الجديد فلقد سادت حالة من التفاؤل والأمل للشعب. وقد كانت الأهداف الوطنية والإقليمية المتبناه لتلك المرحلة موضوعية وقابلة للتحقيق بعيداً عن كونها مجرد عاطفة ناشئة عن حسن النوايا.

بيد أن الرغبة الصادقة والمبادرة الجادة لم تتناغم مع التطورات الحاصلة على الأرض. لماذا؟.
بعد إنتهاء الحرب الباردة وإبتداء العهد الجديد وتفتت الإتحاد السوفياتي السابق برزت إلى الوجود ظاهرة مؤسفة كان لها تأثير سلبي قوي على التطورات الجارية في منطقتنا. إلا وهي سعي المعسكر الذي تقوده أمريكا نحو إستغلال الوضع الجديد كمناسبة تاريخية مواتية لفرض الهيمنة على الآخرين مما أفضى بهم إلى قراءة الواقع على نحو مشوه أوهمهم أنهم يملكون هذا العالم. وضمن واقع هذه العقلية تعمل تلك القوى على إحتواء أية جهة يمكن أن تكون منافساً محتملاً، وتسعى نحو السيطرة على التقنية المعقدة والمراكز العلمية والثقافية ووسائل نشر المعلومات تمهيداً للإنفراد بخيرات العالم والحيلولة دون قيام أية قوة عسكرية منافسة إدارة شؤون الآخرين عبر تقسيم العالم إلى مناطق نفوذ، وإقامة أنظمة حكم هي عبارة عن ملاحق أو أدوات للتدخل في شؤون الآخرين. تسخير المنظمات الدولية والإقليمية وتحويلها إلى مؤسسات تابعة مكرسة لخدمة مصالحها. وبما أنها مغامرات أقرب ما تكون إلى العربدة تنطلق عن فكر معربد، فلقد زرعوا في منطقتنا ومناطق العالم الأخرى خلال الـ 25 عاماً الماضية التزعزع والفوضى والرعب وفرضوا الأزمات والدمار والتهلكة. إن واقع تحديات ربع القرن والعدائيات التي استهدفت إستقلالنا ينظر إليها عبر الترابط الموضوعي مع ذلك.
ففي عام 1996م أثيرت وأججت مسألة السيادة على “حانش” والتي لم يسبق أن أثيرت في أية مناسبة قبل إستقلال إرتريا. وأغلقت القضية بوضع خاتمة قانونية عجيبة لها. وإن كانت الحكاية طويلة فإن المسألة ليست بحاجة إلى التعليق كونه جزء من المكيدة المخططة لإدخال إرتريا في متاهات النزاعات الحدودية وإضعافها لإخضاعها في الأجندة المرسومة للهيمنة.

وفي عام 1998م وكإمتداد لأجندة “حانش” تم إفتعال نزاع حدودي حول بادمي وتم إعلان الحرب التي تفتقد لأي مبرر قانوني وسياسي وبمباركة مباشرة وتدخل سافر لواشنطن. وقد ترتب على هذه الحرب طيلة عامين خسائر لا يبررها أي منطق وأستشهد نحو 19 ألف من المواطنين الأبطال في سبيل صيانة سيادة إرتريا. وبعد عملية تحكيم إستغرقت عامين صدر في عام 2002م حكم قضائي “نهائي وملزم”. ومع ذلك فقد تم وبتدخل سافر من واشنطن تجاهل كل الإتفاقيات والقوانين الدولية والقرارات. وقد ظلت أراضي إرتريا سيادية رازحة تحت الغزو والتدمير طيلة 14 عاماً. إن إستراتيجية إفتعال الأزمات الإقليمية التي لا يمكن النظر إليها بإعتبارها مسألة عابرة قد أعطت لسياسة الهيمنة مكاسب لا يستهان بها. فقد أفسدت العلاقات الأخوية بين الشعبين الإرتري والإثيوبي، وقطعت الطريق على فرص التحول الكامنة في الإقليم من ناحية، وأفضت إلى نصب نظام في إثيوبيا يخدم سياسة الهيمنة من ناحية أخرى. وقد وجدت زمرة الوياني في هذا كله فرصة للتخلص من التهديد الحائم حولها في إثيوبيا من الشعب الإثيوبي بجعل إرتريا كبش فداء، وضمان إنضوائها تحت الوصاية الأمريكية.
وبهدف التمويه على الغزو الإثيوبي السافر وإنتهاك سيادة القانون وجر إرتريا نحو جبهة أخرى تشتت قدرتها على التصدي وتحجزها في أزمات مستمرة تم إفتعال نزاع حدودي أخر في عام 2008 بين إرتريا وجيبوتى, وهو نزاع لم يحدث أن اثير في أية مرحلة تأريخية منذ إستقلال جيبوتي فى عام 1977م: نزاع ليس له اي أساس قانونى. وكجزء من الأجندة الواسعة تم القيام بحملات مضللة وضغوطات وحملات دبلوماسية وإعلامية فى هذه الشان.
ولم تهدأ حالة القلق التي تنتاب المتآمرين حتى باضافة إفتعالات جيبوتي, حيث تم تمرير قرار الحظر في عام 2009م باسم مجلس الأمن على نحو دراماتيكي باختلاق التهمة المتعلقة بال (شباب) في عشية عيد الميلاد وبشكل أخذ فيه كثير من اعضاء مجلس الأمن في نيويورك على حين غرة وتحت الضغط والابتزاز. ومع ان الهدف الأساسى المتوخى من وراء الحظر هو تقييد نماء القدرة العسكرية الدفاعية لإرتريا وإضعافها ،فلقد سعى المتآمرون عبر هذه الخطوة لتوسيع الأرضية للمزيد من العزل السياسي والدبلوماسي.
ولما كان الخطر التاريخي الأكبر الذي يقض مضجع أعداء إرتريا هو دائما قوة شعبها فان تبديد مواردها البشرية عن طريق عمليات الاتجار بالبشر تحت قناع اللجوء السياسي قد تم إيلاءه اولوية قصوى بنداء من الرئيس الأمريكي الذى أضفى الصفة الرسمية لهذا الأمر. حيث تمت زيادة وتيره جريمة الاتجاره بالبشر المنظمة بمصاحبتها بحملات دعائية ودبلومسية مكثفة ومغرضة لترقى إلى توجيه التهمة لنا بإنتهاك حقوق الإنسان.
إن خلق حالة من الفقر والجوع بغية إثارة الأزمات عبر المؤامرات الإقتصادية الدائبة: كإعاقة مايسمى 2% والتحويلات المالية الأخرى, وإيقاف انشطة التعدين وتدميرها وحظر اي مساعدة وإستثمار خارجى، كل هذا اصبح من المهام المعتادة لزمرة واشنطن.
ان الحملات الإعلامية المشيطنة المبتذلة والمحاولات السياسية الفاشلة التى ترمي إلى تشتيت الصف الداخلي عبر زيادة الضغط النفسى وإفشال انشطة التصدي والتنمية وتشويه صورة إرتريا من ناحية والحيلولة دون تبلور الصورة الحقيقة لإرتريا من ناحية أخرى ، أضحى إزديادها من الحقائق الجلية.
المحترمون والمحترمات الحضور الكريم.
إن الحقائق المكررة الذكر للاستهداف المعادي لإستقلالنا وسيادتنا خلال الاربع قرن المنصرم والتي حاولت سردها بايجاز إنما سعيت من ذكرها إلى إعطاء صورة ذات ابعاد متداخلة وذات صلة. على ان الأهم من الاستهداف والمعاداة مهما إتخذا من اشكال واوضاع هو : ما مدى صلابة تصدينا ورسوخ تنميتنا؟.
فقد إزدادت ثقافتنا ومنظومة قيمنا ثراءاً وعمقا. وتعاظمت قدرتنا على التصدي الشامل( القانوني و السياسي والإعلامي والدبلوماسي والأمني). وفيما يتعلق بالتنمية الإقتصادية والاجتماعية والثقافية فقد إجتازت مراحل هامة لترتقى نحو أرضية أعلى وذلك بالرغم من محدودية الإمكانيات والإعاقة التي لايستهان بها وبالرغم من غياب بيانات موضوعية تتسم بالعمق والشمول عن كل قطاع على حدة. وهي بصدد إستعداد للانتقال الى برامج تنموية أشمل وأكبر، إن الرسالة التي بعث بها الشعب الإريتري عبر الفعاليات المذهلة التي دأب على إجرائها بالداخل والخارج خلال الأيام الفائتة لهي ذات مضمون إيحائي واضح.
المحترمون والمحترمات
لقد عشنا وتذوقنا إستقلال وتصدى وتنمية ربع القرن المنصرم وماذا عن ال ربع القرن المقبل؟
مجدداً فإني ومن أجل أن نستشرف المستقبل وان نبلور موجهاتنا أذكر بان يتم توثيق التفاصيل المتعلقة بالتصدي والتنمية خلال ال ربع القرن المنصرم ( على إعتبار ان المهمة لم تنته بعد) وعليه فإنه وإعتبارا من هذا اليوم فاني ادعو إلى مضاعفة طاقاتنا في تصدينا القانوني والدبلوماسي والاعلامي والسياسي, وإلى تنظيم صفوفنا على نحو أصلب. وبالنسبة إلى تصدينا التنموي الشامل, وبالرغم من تعذر إيراد تفاصيله في هذه المناسبة فإن البرامج الكبيرة والشاملة المستقبلية ستنفذ كما هي العادة عبر مشاركة جماهيرية واسعة، وبناء عليه فإني أدعو إلى أن نكون مستعدين للإضطلاع بمسؤولياتنا.

المجد والخلود لشهدائنا الأبطال الذين حققوا الإستقلال
التحية والإكبار للشعب الإرتري الصامد
التحية والتقدير لقوات الدفاع الطليعة في مسيرة التصدي والتنمية
النصر للجماهير
24.5.2016

Latest Articles

رسالة ماجستير عن سياسة ارتريا الخارجية حيال السعودية

መጅልስ አምን ወለዛልም ቀራራቱ ድድ ኤረትርየ (24ይ...

ጋዜጣዊ መግለጺ