January 1, 2011

أهمية اللغة العربية كلغة تواصل في منطقتنا

سعادة السفير/أحمد طاهر بادوري

قلم: سعادة السفير/أحمد طاهر بادوري
عقدت وزارة التعليم الاريترية من 9 ولغاية 10 ابريل 2010 ندوة حول أهمية ومكانة ودور اللغة العربية في اريتريا، قدمت خلالها عدد من الأوراق والأبحاث التاريخية وذلك بحضور كبار المسئولين في الدولة وفي الجبهة الشعبية للديمقراطية والعدالة، وعدد من الكتاب والمفكرين وممثلين للأقاليم الاريترية الستة. ولقد قدم السفير أحمد طاهر بادوري ورقة بعنوان ” أهمية اللغة العربية كلغة تواصل في منطقتنا “. وتعميما للفائدة نقوم بنشر نص الورقة.

عنوان مداخلتي “أهمية اللغة العربية كلغة تواصل في منطقتنا” هو عنوان كبيرلا أدعي شرف الإحاطة به ، إنه موضوع يتجاوز حدود قدرتي وهذه المداخلة بمسافات ومسافات ولا يمكن لورقة مختصرة وموجزة كهذه أن تستوعبه كاملا أو تحيط بجميع جوانبه ، ولكن ولأجل هذا الجهد العظيم والحثيث والهادف سأحاول أن أركز بإيجاز شديد على جوانب رأيتها مفيدة ويمكنها أن تساعدنا إلى حدما التعرف على مدى إنتشار اللغة العربية بشكل عام وأهمية إدخالها ضمن مناهجنا التعليمية بشكل خاص. فاللغة العربية لغة عالمية غنية وواسعة تستحق أن يتعلمها أبنائنا كجميع اللغات العالمية . وصدق الشاعر العربي الكبير حافظ إبراهيم المعروف بشاعر النيل ، حين إستنطقها لتتحدث عن نفسها فقالت:

“أنا البحر في أحشائه الدر كامن .. فهل سألوا الغواص عن صدفاتي”

من أهم أهداف هذه الندوة هو السعي لخلق فهم مشترك حول اللغة العربية وأهميتها في إطار رؤيتنا الإستراتيجية المستقبلية وضمن ما نصبوا إليه لخلق أجيال كفؤة تتمتع بدرجات عالية من التعليم والثقافة الواسعة المتنوعة ، وفي هذا الصدد فإن اللغات العالمية هي الأداة التي تمكننا من تحقيق ذلك لأنها تفتح عيوننا للتعرف على ثقافات وحضارات الشعوب ، وأظنني لا أخطئ إذا قلت أننا في إرتريا أحوج ما نكون لتعليم أبنائنا اللغة العربية بحكم أننا جزء لا يتجزأ من هذه المنطقة وأننا أكثر الشعوب غير العربية في القرن الإفريقي تأثرا بهذه اللغة بحكم التأريخ والجغرافيا والثقافة المتبادلة عبر التأريخ بيننا .

إزالة المفهوم الخاطئ والمتباين فيما يختص بموضوع اللغة واللغة العربية تحديدا، قد تأثر بعدة عوامل ومفاهيم خاطئة وقاصرة في الرؤية ، منشأها عدة أسباب ناتجة عن تطورات تأريخية مرت بها البلاد في فترة الإستعمار الأوروبي وخاصة الإستعمار الإثيوبي ، سنتطرق إليها في النقاش التداولي الذي سنخصصه للموضوع في صياغ هذا العرض السريع.
الهدف الأخير هو كيف أننا نستوفي المتطلبات والنواقص لتدريس اللغة العربية بحيث نجعل الدارس أو الطالب في المرحلتين الأساسيتين ( الإبتدائية والمتوسطة ) ومن ثم المرحلة الثانوية يجيد هذه اللغة إجادة تامة وعلى أسس علمية ويتواصل بها دون أية صعوبة وبطلاقة ويلم بأصول فقهها وقواعدها وفنون إستخداماتها

متي وكيف دخلت اللغة العربية في إرتريا
هذا العنوان الذي نحن بصدده ليس موضوع سهل فهو شائك وواسع يستدعي بحث ودراسة مستفيضة متأنية وموثقة لا غبار عليها حتي نلم به من أجل تطوير معارفنا . فقد حاولت أن أقسمه بقدر الإمكان إلى زمنين إثنين لدواعي عنوان هذه المداخلة ولفتح مجال أوسع للمناقشة المستفيضة.
دخلت اللغة العربية بلادنا قبل المسيحية والإسلام بحكم علاقات التواصل بين شعوب الشاطئين الشرقي والغربي للبحر الأحمر عبر التأريخ من خلال التبادل التجاري والتداخل العرقي والثقافي والهجرات والنزوحات التي سببتها النزاعات القبيلية ومنذ وطأت أقدام الشعوب السامية أراضي الشاطئ الغربي للبحر الأحمر قبل آلاف السنين قبل الميلاد .
وجدت اللغات قبل الأديان وهكذا أيضا وجدت اللغة العربية قبل جميع الأديان السماوية التي ظهرت في منطقة الشرق الأوسط . وحسب التأريخ فقد نزلت بها الأديان سواءا الإنجيل المقدس أو القرآن الكريم وترجمت بها بقية الأديان السابقة للمسيحية والإسلام وكذلك ثقافات الشعوب العريقة . وبحكم أنها مشتق من مشتقات اللغات السامية القديمة ، فهي إذن ليست غريبة عنا بل هي واحدة من أصول لغاتنا السامية التي تتحدث بها أجزاءا واسعة من الشعب الإرتري – كالتجري والتجرينية التي يتحدث بهما جزء لا يستهان به من الشعب الإرتري وكذلك اللغة الأمهرية في إثيوبيا . وهناك اللغة المهرية في جنوب اليمن وظفار في سلطنة عمان واللغة العبرية في إسرائيل هذا بإختصار لغرض التوضيح خلفية الموضوع .
بعد ظهور المسيحية والإسلام إتسع إنتشار اللغة العربية في بلادنا عبر الهجرات الدينية بقوة وتأثير أكبر . فقد جاءت المسيحية إلى بلادنا من خلال الأخوين المبشرين السوريين فريم ناطوس وأيدياسوس اللذين حملا الإنجيل المقدس وتعاليم المسيح عليه السلام بكلا اللغتين العربية والعبرية . فما عدا مسيحيو بلادنا الذين ترجموا الإنجيل باللغة الجعزية فإن جميع مسيحيو منطقة الشرق الأوسط يقرؤون الإنجيل ويمارسون شعائرهم الدينية باللغة العربية . فاللغة العربية كما هو واضح وككل اللغات نقلت أو ترجمت بها الأديان لتصل إلى الشعوب وليس العكس ، وبالنسبة لنا نحن الإرتريون فإن اللغة العربية ليست غريبة وبعيدة عنا ، وحيث أن جزءا من شعبنا وهم قومية الرشايدة هي لغتهم الأم والتعامل بها حق مكفول في الدستور الإرتري كبقية اللغات الوطنية ، فإن تعلمها على أصولها مسألة مهمة للأجيال القادمة.

تطور إستخدامات اللغة العربية في بلادنا
في الخلاوي القرآنية يتعلم بها الطفل الكتابة والقراءة ويحفظ بها عن ظهر قلب القرآن الكريم وأمور الدين الأخرى ، ويستخدمها كثير من الناس في حياتهم الإجتماعية كعقد الزواج والميراث والتعاقدات التجارية والمراسلات وغير ذلك .
في المدارس النظامية أدخلت اللغة العربية كلغة تدرس جنبا إلى جنب مع التجرينية والإنجليزية منذ عهد الإستعمار وحتي نهاية العهد الفيدرالي حيث كانت جميع المداس الحكومية والأهلية تعلمها الطلاب من كل فئات الشعب الإرتري بلا إستثناء ولو كان ذلك بدرجات متفاوتة لحين أن ألغيت رسميا مع التجرينية من قبل الإحتلال الإثيوبي لتحل محلهما اللغة الأمهرية . وفي زمن الثورة والنضال المسلح فقد بذلت جهود حثيثة لإحياء تدريسها في مدارس الثورة في الأراضي المحررة .
في التعاملات العامة ، تستخدم اللغة العربية في الوقت الراهن كلغة عمل مثل غيرها كسائر اللغات الوطنية .. ففي الثورة المسلحة عمل بها في جميع المراسلات والتعاملات والإعلام المكتوب والمقروء والمسموع .. (الجرائد والمجلات وترجمت بها كتب كثيرة وأعدت بها مواد التوعية والتثقيف السياسي ، كتب بها الشعر والفنون الأخرى وتحدثت بها إذاعة صوت الجماهير الإرترية ) وقد تواصل هذا العمل بعد التحرير والإستقلال وأضاف التلفزيون الإرتري إسهامات لاتقدر بثمن لتوعية الشعب وتوصيل الأخبار والمعلومات والتحليلات السياسية وبرامج المقابلات الهادفة والترفيهية ، ترجم بها الدستور الإرتري وكذلك القوانيين والمراسيم التشريعية ، إذن اللغة العربية من حيث المنظور التأريخي لغة وطنية إرترية ومن الواجب أن تكون ضمن مناهج التعليم في بلادنا بصورة أطور وأشمل حتى يلم بها الدارسين من أبنائنا بهدف خلق جيل متعلم واسع المعرفة والثقافة اللغوية ومتعدد اللغات متجانس الأفكار والفهم لمختلف حضارات الشعوب وثقافاتها.

عالمية اللغة العربية
اللغة العربية لغة عالمية غير محصورة في المنطقة العربية بل أن إنتشارها يتسع العالم أو معظمه سواءا كان تداولها بين نحو بليون ونصف إنسان في العالم سواء بحكم أنها لغتهم الأم أو بحكم الدين . تستخدم اللغة العربية في الأمم المتحدة من بين اللغات الستة المعترف بها كلغة عالمية من جميع النواحي والمقاييس ولهذا تتمتع بأهمية قصوى وأن تعلمها ككل اللغات العالمية أمر ضروري .
في البلدان المتقدمة كاليابان ودول أوروبا وحتي أميركا والصين تدفع هذه الشعوب بأبنائها بأعداد هائلة لتعلمها على أصولها لأهداف وأغراض كثيرة منها العلاقات التجارية والإستثمارية والتواصل الدبلوماسي والثقافي والأمني ودراسة الحضارات ، كما تطبع بها الكثير من المنشورات والإعلانات وتكتب بها موجهات الإستخدامات للمنتجات الكهربائية والإلكترونية ويستخدمها إعلام معظم الدول المتقدمة في الإذاعات والتلفزيونات والإنترنت .

تصحيح جوانب القصور
هناك فهم خاطئ لدى البعض منا من الذين يعتبرون خطأ أن اللغة العربية لغة دين معين أو قسم معين من مجتمعنا الإرتري . هذا الفهم الخاطئ يشترك فيه الكثيرون كل بحسب فهمه القاصر ومحدودية معرفته لأهمية تعلم اللغات وخاصة اللغة العربية . فهي في الحقيقة لا تخص قسم أو أقسام من شعبنا بل تخص الجميع كونها لغة عالمية يجب تعلمها.
المنظور الصحيح يقول أن اللغة هي أداة التواصل والتفاهم بين الناس ووسيلة للتقدم والمعرفة وبوابة أولى نحو التعمق في الإلمام بالعلوم وحضارات وثقافات الشعوب في جميع مجالات العلم والمعرفة . واليوم حيث أصبح العالم قرية واحدة وربما أصغر فإن اللغة هي الأداة للتواصل وتبادل المنافع والحاجات والتعاون والتقارب . والإلمام باللغة العربية كلغة عالمية غير محصورة في نطاق أو مجال معين ، مما يعزز أهمية تعلمها بالنسبة لنا.
المنظور الإستراتيجي المستقبلي للتعليم في إرتريا هو بالدرجة الأولى خلق جيل وأجيال متجانسة واسعة الثقافة عميقة التفكير قادرة على الخلق والإبداع واللحاق بركب التقدم والتطور في جميع الميادين. والوسيلة الوحيدة إلى ذلك هي تعلم اللغات العالمية بما فيها اللغة العربية . فوجود أجيال إرترية متعددة اللغات الحية سيكون إنجاز لا يستهان به لإرتريا المستقبل.

متطلبات تدريسها
أولا توفير الأدوات والوسائل الكفيلة بتسهيل تعلمها بأسرع وقت ، هذه الأدوات يأتي على رأسها توفير مناهج متطورة لتعليمها بجميع جوانبها الفقهية وقواعدها وآدابها وفنونها.
المدرس الكفؤ المتمكن من اللغة نفسها ويحظي بدرجة علمية تخصصية أول الشروط اللازمة . هناك فهم خاطئ لدي كثيرين من المتعلمين الذين يعتقدون بأن المدرس في المستوى الإبتدائي والمتوسط يمكن أن يكون بأي مستوى حتى ولو كان مستواه العلمي متدني جدا، ويشعرون بأن المدرس صاحب الدرجات التعليمية العالية يساء في حقه في هذا البلد ، إذا ما طلب منه التدريس في المرحلتين الأساسيتين .. وهذه طامة كبرى ، سنناقش هذه المسألة بإسهاب لتوضيحها من أجل إنجاح إستراتيجيتنا التعليمية وفي إطار المناهج المتقدمة التي تسعى الوزارة لإدخالها في مدارسنا ومعاهدنا وربما جامعاتنا المستقبلية.
وأسمحوا لي ان أختم مداخلتي بهذه المقاطع من الابيات الشعرية الجميلة.

قـم للمعلم وأفيـه التبجيـل
كـاد المعلم أن يكون رسـول
أتعلم من أشرف وأعـز الناس
إن لم يكن ذلك الذي يبني أجيالا
ينشـر ويمـلأ الدنيـا عقـول
*********************
كن إبن من شئت وأكتسب أدب
يغنيك محموده عن النسب
إذا نام غر في دجى الليل فسهر
وقم للمعالي والعوالي وشمر
وخلي أحاديث الأماني فإنها
علالة نفس العاجز المتحير
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن سال طاب وإن لم يجري لم يطب

Latest Articles

Conversation with Ceramic SculptorNasser Abdelwasie

ሓጺር ታሪኽ ሕጋዊ መኸተ ህዝቢ ኤርትራ ብኣጋጣሚ ዝኽሪ...

ንልክዕ መረዳእታ